الدكتور/ محمد عبد الحليم الجبيصي ... المحامي ... ماجستير في القانون ... دكتوراه في القانون الجنائي ... والمستشار القانوني للشركات ورجال الاعمال ... 0102563799

الانبياء الملائكة الحبيب المصطفي الله ربي

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

الفصل الخامس .. فرق اليهود

انقسم اليهود في مختلف مراحل تاريخهم إلى فرق دينية تدعى كل فرقة منها أنها أمثل طريقة وأشد تمسكاً بأصول الدين اليهودي وروحه من الفرق الأخرى .


( 1 ) فرقة الفريسيين Pharisians :


أهم فرق اليهود عدداً في الماضي والحاضر ، وتتميز هذه الفرقة بــــ :-
أ ) تعترف بجميع أسفار العهد القديم والأحاديث الشفوية المنسوبة إلى موسى عليه السلام وأسفار التلمود بل أن فقهاءهم" الربانيين " هم الذين ألفوا أسفار التلمود .
ب) يؤمن الفريسيون بالبعث ، فيعتقدون أن الصالحين من الأموات سينتشرون في هذه الأرض ليشتركوا في ملك المسيح المنتظر الذي يزعمون أنه سيأتي لينقذ الناس ، ويدخلهم في ديانة موسى ، ولكن بعضهم سيكون في الدنيا – فهي تنكر الآخرة . (
[1])

موقف الفريسيين من المسيح عيسى بن مريم :-


كانوا من ألد أعداء المسيح عيسى بن مريم وهم الذين حاولوا أن يظهروه بمظهر الداعي إلى شق عصا الطاعة على قيصر ، وكانوا على رأس المتآمرين به ، و لم ينفكوا يدبرون له الكيد حتى حكم عليه بالصلب " في زعمهم " . وتتضمن الأناجيل ، فصولاً طويلة يوجه فيها المسيح عيسى بن مريم . (
[2])

تقليعاً شديداً إلى الفريسيين ويكشف عن كفرهم وتفاهتهم والتوائهم وتحريفهم لتوراتهم وابتداعهم تعاليم وأحكاما فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان .

فحينئذ خاطب يسوع " عيسى بن مريم " الجموع وتلاميذه قائلاً " على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه ، فاحفظوه وافعلوه ، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا ، لأنهم يقولون ولا يفعلون . فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحركوها بأصابعهم ، وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس ، فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع ، والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي . . سيدي ، وأما أنتم فلا تدعوا ، سيدي ، لأن معلمكم واحد المسيح وأنتم جميعاً أخوة ولا تدعوا لكم أبا على الأرض ، لأن أباكم واحد الذي في السماوات ، ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح . وأكبركم يكون خادماً لكم . فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع " . ([3])

وكلمة الفريسيين تفيد في أصلها معنى المعتزلة أو المنعزلين وواضح أن الذي أطلق عليهم هذا اللقب " الصدوقيين " خصومهم أما هم فقد كانوا يطلقون على أنفسهم " الإخوان " أو " الربانيين " Compagnons كما يطلق على هذه الفرقة الربانيين ، لأنهم يؤمنون بما جاء في أسفار التلمود التي ألفها الربانيون وهم " الأحبار " لهذه الفرقة وفقهاؤها وينظر الفريسيون إلى كافة الشعوب الأخرى على أنها عدو .

متى تكونت فرقة الفريسيين ؟


لا يعلم على وجه اليقين ، ولكن ما ذكره المؤرخ اليهودي " فلوفيوس جوسفيس " Falavius Josephus المولود سنه ( 37 م ) . أي عقب حادث الصلب . الذي يزعمه النصاري وفى سنه ( 37م ) توفى ، وهو واحد من أقدم الباحثين في تاريخ اليهود وأشهرهم وأوثقهم ، يقول ويذكر أن فرقة الفريسيين تكونت في عهد " يوناثان " Jonathan الذي كان صديقاً حميماً لداود عليه السلام . (
[4])

( 2 ) فرقة الصدوقيين : Saduceen


هي الفرقة التي كانت تلي فرقة الفريسيين طوال القرنين السابقين لميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . وفى المرحلة الأولى اللاحقة للميلاد . وكان الخلاف شديدا بين الفريسيين و الصدوقيين ويختلف الصدوقيون مع الفريسيين من ناحية العقيدة في الأمرين التاليين :


أ ) فالصدوقيون لا يعترفون إلا بالعهد القديم ، ويرفضون الأخذ بالأحاديث الشفوية المنسوبة إلى موسى ، أما أسفار التلمود فقد ألفها فيما بعد فقهاء الفريسيين .
ب ) إن الصدوقين لا يؤمنون بالبعث ولا باليوم الآخر ، ويعتقدون أن عقاب العصاة وإثابة المحسنين إنما يحصلان في حياتهم ، كما تذكر أناجيل المسيحيين أن الصدوقيين قد حاولوا أن يستدرجوا المسيح عليه السلام حتى يوافقهم على إنكار البعث واليوم الأخر وينضم إليهم في ذلك ضد الفريسيين ولكنهم أخفقوا في ذلك ، وبين لهم المسيح عليه السلام فسادعلمهم وأدلتهم . (
[5]) وقد جاء الصدوقيون الذين ينكرون القيامة إلى المسيح عليه السلام قائلين له : " يا معلم قال موسى إن مات أحد وليس له أولاد ، يتزوج أخوه بامرأته ، ويقيم نسلاً لأخيه . فكان عنده سبعة أخوة ، وتزوج الأول ومات . وإذا لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه . وكذلك الثاني والثالث إلى السبعة . وأخر الكل ماتت المرأة . ففي القيامة لمن من السبعة تكون زوجة . فإنها كانت للجميع . فأجاب يسوع وقال لهم . تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله . لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكون كملائكة الله في السماء . وأما من جهة قيامة الأموات . أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب . ليس الله إله أموات بل إله أحياء . فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه". ([6]) ويذكر العلامة ابن حزم أن هذه الفرقة كانت تقول إن العزيز ابن الله ، وهو ما تسميه أسفار اليهود عزرا Esdras . ([7]) ولعل هذه هي الفرقة التي يعنيها القرآن الكريم إذ يقول : "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ " . (سورة التوبة 30 )

ما يميز الصدوقيين :


وإن كان هناك من ميزة للصدوقين فهو الحرص على إقامة علاقات ودية مع الشعوب الأخرى ، وهى عكس الفريسيين الذين ينظرون إلى عكس أفراد ملتهم نظرة عداوة .
" بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ". (سورة الحشر 14)

والصدوقيون أقل عدداً من حيث الأتباع ، فيفر منها الأغلبية الساحقة من اليهود ومن تعاليمها ويناجزونها العداء ، وهذه الفرقة لم تكن تقل عداوة للمسيح عليه السلام والكيد له وتعويق رسالته .


( 3 ) فرقة السامرية :


لعلهم سموا بذلك لأن نحلتهم قد ظهرت في إقليم السامرة وهو أحد أقاليم فلسطين وكانت كلمة السامريين تطلق كذلك على جماعة من غير بني إسرائيل اعتنقت اليهودية وامتزجت بالإسرائيليين ، وكان الإسرائيليون ينظرون إلى أفرادها على أنهم أحط منهم قدراً ومنزلة . وهذه الفرقة لا تؤمن إلا بالأسفار الخمسة التي تمثل القسم الأول من العهد القديم وسفر يوشع وسفر القضاة وتنكر بقية أسفار العهد القديم وأسفار التلمود وهم لا يؤمنون بالبعث ولا باليوم الأخر .

ويذكر ابن حزم أنهم يبطلون كل نبوة كانت في بني إسرائيل بعد موسى ويوشع " عليهما السلام " فيكذبون نبوة شمعون وداود وسليمان وأشعيا واليسع وإلياس و عاموص وحبقوق وزكريا وآرميا . . . وغيرهم .

وهم يقولون إن مدينة القدس هي نابلس وهى من بيت المقدس على ثمانية عشر ميلا ، وهم لا يعرفون حرمة بيت المقدس ولا يقدسونه ولا يعظمونه .

السامريون وجبل صهيون :


والسامريون بحكم دينهم لا يعترفون بقدسية جبل صهيون فلهم جبلهم المقدس " جبل جريزيم " وهم لا يؤمنون بداود وسليمان ، واليهود ينفون عن السامريين صفة الانتساب إلى إسرائيل أو الإيمان بإله إسرائيل . والسامريون يمثلون أصغر طائفة دينية في العالم ويعيش أغلبهم في نابلس .

وهم متصلون تاريخياً باليهود ولكن تفصل بينهم هوة عميقة من الخلافات الدينية ، فهم يؤمنون بأسفار موسى الخمسة يضاف إليها أحيانا سفر يوشع بن نون " و يختلف كتابهم المقدس اختلافا واضحاً عن التوراة الشائعة . ([8])

( 4 ) فرقة الحسديين Esseeniens


ظهرت هذه الفرقة في حوالي القرن الثاني قبل الميلاد ، وتختلف عن بقية فرق اليهود اختلافاً جوهرياً في عقائدها وعبادتها ونظمها . وتقاليدها تمتاز هذه الفرقة بتحريم الأضحية والقرابين ، مع أن الأضحية والقرابين عند الفرق الأخرى من أهم العبادات ومن مميزاتها أيضاً في العبادات أنها تكثر في شعائرها مناسبات الغسل والوضوء ، كذلك تنكر التفرقة العنصرية وتقرر مبدأ المساواة بين الناس في القيمة الإنسانية المشتركة ، وتحرص على التعايش السلمي بين جميع الشعوب . . ومن مبادئها العمل على إلغاء الحروب وأن يعيش العالم في سلام دائم ومجانبة الإضرار بالخلق وعدم إيذاء أي إنسان حتى لو كان ذلك لتربيته وتعويده الامتثال والطاعة ومراعاة الصدق والأمانة والوفاء بالعهد حيال جميع الناس سواء ذلك الإسرائيليون منهم وغير الإسرائيليين ، وتحريم طرائق الكسب غير السليم وابتزاز الناس واستغلال عذرهم وحاجاتهم سواء في التعامل مع اليهود أو غير اليهود ، وهذا على عكس الفرق اليهودية الأخرى . وهى تحرم نظام الرق ، وتحظر أن يمتلك الإنسان أخاه الإنسان وأن يحرم أي فرد من حريته وهى عكس الفرق اليهودية الأخرى في ذلك أيضاً .

وفيما يتعلق بنظام الملكية ، فإنها تحرم الملكية الفردية وتوجب أن تكون جميع الملكيات ملكية جماعية ، وقد اعتزلوا المجتمع الإسرائيلي وعاشوا جماعات حول شاطئ البحر الميت ، وطبقوا مبادئهم ، فقد ألغوا فيما بينهم نظام الملكية الفردية ، وجعلوا جميع ما تحت أيديهم من أرض ومنقولات وملابس وأطعمة ومتاع ملكاً جماعياً شائعاً يحفظ ما يزيد عنه عن الحاجة العاجلة في مخازن عامة ويشرف على شئون إدارته وتوزيعه حراس يختارون من بينهم بطرق الانتخابات العامة المباشرة ويتفرغون كل التفرغ لأعمال وظيفتهم هذه .

وحتى المنازل نفسها اعتبروها ملكاً جماعياً ، وتركوها في كل قرية من قراهم مفتحة الأبواب لكل رفيق من جماعتهم سواء كان من أهل القرية أو قادماً من خارجها ومن ثم يعتبر مذهب هذه الفرقة من شئون الاقتصاد من أقدم المذاهب الشيوعية في العالم . هم أصل الشيوعية ومن أقدم المجتمعات الإنسانية التي طبقت الشيوعية بالفعل وتحرم هذه الفرقة الاشتغال بالتجارة لما يبعثه في النفوس من جشع وحرص على جمع المال وجنوح إلى الابتزاز ، كما تحرم صناعة الأسلحة والذخيرة وسائر الآت الحروب لتنافر الغاية التي تقصد من هذه الصناعات مع أهم مبادئهم وأن يعيش الناس في سلام دائم .

وكذلك تحرم استخدام الذهب والفضة والتعامل بهما لما يبعثان في النفوس من زهو وما يحملان عليه من جشع وشح ، ولذلك اقتصرت أعمالهم على الزراعة والصيد وما يحتاجون إليه ، وما يتصل بهما من صناعات وهى تختلف اختلافاً جوهرياً عن فرق اليهود فباقي فرق اليهود تقدس وتعبد الذهب والفضة والتجارة وصناعة السلاح .

أما في نظام الأسرة ومجالها . . فإنها تحرم الزواج وتوجب التبتل والبعد عن النساء – بينما الفرق الأخرى تنظر إلي الزواج على أنه واجب ديني لكل قادر عليه وأن من يحجم عن الزواج مع القدرة عليه ، لا يقل حرمة عن جرم القاتل لأن كليهما على حد تعييرهم " يطفئ نور الله " .


وينتقص ظله في أرضه ويبعد رحمته عن إسرائيل بل لقد ذهب بعض فقهائهم أن من بلغ العشرين وهو أعزب يجوز للقضاء أن يرغمه على الزواج .

وفى الحياة الفردية ، تحارب هذه الفرقة الترف والحياة الناعمة وتدعو إلى الزهد والتقشف والبعد عن جميع متع الجسم وتنظر إلى هذه المتع على أنها شرور ، وتحرم الخمر وأكل اللحوم وتوجب الاقتصار على الأغذية النباتية ، وهى تخالف في معظم ما تذهب إليه تعاليم العهد القديم والتلمود على الرغم من أنها تعتبر نفسها من اليهود ويعدها المؤرخون كذلك من اليهود والحقيقة انه لا يربطها ببقية فرق اليهود إلا رابطة الجنس ، لأن أفرادها كانوا من بني إسرائيل .

على أية حال ، فإنك بعد القراءة الجميلة عن هذه الفرقة ، فإنك ستقول لا توجد هذه الصفات النبيلة في اليهود ، وأضم صوتي لصوتك ، إذ تقول أيضاً كتب التاريخ وللأسف الشديد فقد انقرضت هذه الفرقة وانقرض أهلها في أواخر القرن الأول الميلادي ولم تعمر كثيراً ، فهي لم تعش إلا قرنين أو ثلاثة قرون .. ويذهب المؤرخون إلى أن يوحنا المعمدان وهو سيدنا يحي بن ذكريا عليهما السلام كان من هذه الفرقة ولكن لم نر دليلا نعتمد عليه في هذا الرأي . ([9])

( 5 ) فرقة القرائيين أو العنائيين :-


هي أحدث الفرق اليهودية جميعاً أنشأها عنان بن داود أحد علماء اليهود في بغداد في أواخر القرن الثامن الميلادي في عهد الخليفة العباسي أبى جعفر المنصور وقد جاء اسمهم من زعيمهم عنان " العنائيين " وهم يتمسكون بما جاء في العهد القديم وحده ، وعدم الاعتراف بأحكام التلمود وتعاليم الربانيين والحاخامات وأما اسم القرائيين نسبة إلى " مقرأ " بمعنى الكتاب أو المكتوب وهى الكلمة التي كانت تطلق عن اليهود وعلى أسفار العهد القديم ( والعهد القديم هي كتب موسى عليه السلام والعهد الجديد هي كتب عيسى عليه السلام ) .فمعنى القرائيين المتمسكون بالكتاب أي أسفار العهد القديم وحدها ، وما زالت لهذه الفرقة أتباع كثيرون في مختلف البلاد في العصر الحاضر ، وقد ألغى عنان جميع التشريعات التي قررها الربانيون ، مستندين في تقريرها إلى أسفار التلمود وأدخل على كثير من تشريعاتهم التي استخدمها من فهمهم لنصوص العهد القديم فقد استنبط أحكاما من هذه النصوص . ومن أهم التشريعات التي خالف فيها الأحكام المقررة عند الربانيين معتمداً على اجتهاده الخاص في فهم النصوص أنه حرم زواج العم من ابنة أخيه وزواج الخال من ابنة أخته وقد سوى بين الابن والبنت في الميراث وقرر أن الزوج لا يحق له ترك امرأته . (
[10])

كيف ظهرت فرقة القرائيين ؟


مهد لظهورها بعض حركات الإصلاح الديني الذي نادي بها سيرينوس وما نادي به عبوديا بن عيسى .

حركة إصلاح سبرينوس والمسيح المنتظر عند اليهود :-


يهودي من أصل سوري ، نادي بالإصلاح حوالي سنه (720 م ) وجعل شعاره اتركوا تعاليم التلمود ، واتبعه ناس كثيرون ، فعظم شأنه و امتلأ زهوا حتى أعلن أنه المسيح المنتظر وكادت تحدث من جراء ذلك فتنة كبيرة في العالمين اليهودي والإسلامي ، فقبض عليه وسلم إلى الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك خلافته (720م – 724 م ) وحسماً لهذه القضية سلمه الخليفة إلى اليهود أنفسهم ليتولوا محاكمته وانتهى آمرة بذلك . (
[11])

عبوديا بن عيسى :-


يهودي من أصفهان ، نادي بإصلاحاته حوالي سنه (720م ) ، واتخذ نفس شعار سابقه ( سير ينوس ) وهو عدم الاعتراف بالتلمود وأدخل تعديلات كثيرة على الأحكام اليهودية المستمدة من التوراة نفسها فألغي الطلاق ، وجعل فرائض الصلاة أربعا بدلاً من ثلاث في اليوم ، وحرم أكل اللحوم وشرب الخمور .

وقد أشار العلامة ابن حزم إلى هذه النحلة . وذكر أن أصحابها يقرون بنبوة عيسي عليه السلام ونبوة محمد عليه الصلاة والسلام . وذلك إذ يقول :- " والعيسوية هم أصحاب أبى عيسى الأصفهاني رجل من اليهود كان بأصفهان ، وبلغني أن اسمه كان محمد بن عيسى " وهم يقولون بنبوة عيسى بن مريم ومحمد صلى الله عليه وسلم ، ويقولون إن عيسى بعثه الله عز وجل إلى بني إسرائيل على ما جاء في الإنجيل وأنه أحد أنبياء بني إسرائيل ويقولون إن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي أرسله الله تعالى بشرائع القرآن إلى بني إسماعيل وإلى سائر العرب ، كما كان أيوب نبياً في بني عيص ، وكما كان بلعام نبياً في بني مؤاب بإقرار من جميع فرق اليهود . ([12])

وقد حاولوا استخدام القوة في فرض آرائهم على طوائف اليهود وأخفقوا في محاولتهم ومنوا بعدة هزائم منكرة وانتهي أمرهم . وقد نجح عنان فيما أخفقت فيه هذه الطوائف من قبل ولكنه فتح باب الاجتهاد في فهم النصوص المقدسة ، وسمح لكل قادر على ذلك فحدث الانقسام في فرقة القرائيين نفسها وتشعبت منها الطوائف كثيرة من أشهرها طائفة بنيامين بن موسى وطائفة الأكبرية . ([13])

طائفة بنيامين بن موسى :-


فارسي من نهاوند ، نادي بتعاليمه في أوائل القرن التاسع الميلادي ، وهى في جملتها مستمدة من تعاليم عنان بن داود ، واستمد بعض آرائه من تأثير المعتزلة وفلاسفة الإسلام وخاصة الفارابي وابن سينا . ومن أهم ما ذهب إليه في شئون العقيدة أنه أنكر ما يوهمه ظاهر العهد القديم ، إذ يصور الذات العليا في صورة مجسمة تشبه صور الحوادث وإذ يقرر أن الله تجلي لموسى في سيناء وكلمة لما ينطوي عليه ذلك من حلول الله في المكان وإخراجه للصوت وأنكر إن يكون الله قد تولى عملية الخلق في صورة مباشرة لما ينطوي عليه ذلك من التغير والحركة ومن اتصال الله بالمادة ، وذهب إلى أن الله خلق الملائكة وهم كائنات روحية غير مادية – وقد انضم إلى نحلته عدد كبير من القرائيين فعظمت مكانته وبلغ في نفوس أتباعه منزلة تقرب من منزلة عنان بن داود المنشئ الأول لفرقة القرائيين .

( 6 ) فرقة الأكبرية :


أنشأها عالمان يهوديان ، من مدينة أكبر بالقرب من بغداد حوالي سنه (840 م ) وهما " موسى وإسماعيل الأكبريان " وأهم ما تمتاز به هذه الفرقة عن بقية فرق القرائيين أنها لا تؤمن إلا بالأسفار الخمسة ولا تعترف ببقية أسفار العهد القديمة ، وهى إحياء لمذهب السامرية ، وقد تفاقم الخلاف بين القرائيين والربانيين وهما الفرقتان اليهوديتان الباقيتان إلى العهد الحاضر وشنت كل منهما حرباً عنيفاً على الطائفة الأخرى فحكمت كل منهما على الأخرى بالكفر واستقلت كل منهما بمعابد خاصة لأتباع كل فرقة .

ويروي لنا التاريخ كثيراً من الخصومات العنيفة التي حدثت بين هاتين الطائفتين ومن أشهر هذه الخصومات ما حدث بينهما في مصر أمام الملك الفاطمي الظاهر ابن الحاكم بأمر الله " الخلافة 412 هـ – 427 هـ " وكان سبب هذه الخصومة أن المشرف على قصابى " جزاري " اليهود كان من طائفة الربانيين ويختلف القرائيون ومذهبهم عن الربانيين في الذبائح . فالقرائيون يحرمون ذبائح إناث الحيوانات كلها ، بينما يجيز الربانيون ذلك . وهم يحرمون أكل أجزاء خاصة من الحيوانات يحلها الربانيون ، فحدث من جراء ذلك احتكاكات عنيفة بين الطائفتين ، وطلب القرائيون أن يسمح لهم بجوانب خاصة كلحوم الأنعام والطيور ، وتخضع لتفتيشهم ولا تخضع لتفتيش المحتسب الرباني ، وأن يسمح لهم بفتح حوانيتهم في أعياد الربانيين التي لا يعترفون هم بمواقيتها ، فلكل فرقة تقويم خاص ومن ثم اختلفت الأعياد عند كليهما وقد استجاب الخليفة الظاهر لمطلب القرائيين وأصدر مرسوماً في ( 11 ) من جماد الأول ( 415 هـ ) .

وقد أظهر المرسوم مبلغ سماحة الإسلام وسماحة الحكومات الإسلامية في معاملة أهل الديانات الأخرى وتذليل الفرص في مزاولة عباداتهم وأداء شعائرهم وهذه من سمات الكمال والسمو لديننا الإسلامي القويم . ([14])


العزيزيون :


وهم طائفة علماء الشريعة من الربانيين قديماً وكانت لهم الكلمة العليا في توجيه المجتمع اليهودي على عهد المسيح ، كما كانوا أشد خصوم المسيح خطراً عليه لتبحرهم في العلم وزعامتهم بين الناس ومنزلتهم عند الولاة الرومان التي اكتسبوها من تعاونهم مع الظلم والطغيان والاستعمار ، ويري الكثيرون أنهم هم الفريسيون .

القنائون :


وهم شعبة من العزيزيين ، يمتازون بالتطرف الشديد والعنف بحيث يمكن وصفهم بأنهم سياسياً ودينياً غلاة اليهود .

الأسيون أو الاسنيون :


كانت هذه الفرقة على أيام ظهور المسيح من أهم فرق اليهود وأكثرها نشاطاً وأشدها احتراماً ، وهم علي شاكلة الصدوقيين لا يؤمنون بالتفسيرات الشفوية ، ولا بالكتب التي بعد الأسفار الخمسة . ويتمسكون بحرفية النص التوراتي ، مما جعل تمسكهم بالقانون حرفيا شديد الصرامة والعنف ومن ذلك أنهم يمكثون في بيوتهم يوم السبت بدون حراك ، عملا بما جاء في الكتاب المقدس من قول الرب لموسى ( أجلسوا كل واحد في مكانه ، لا يخرج أحد من مكانه في اليوم السابع ) . ولهم أعمال غامضة يعملونها لاستطلاع الغيب وطرد العفاريت ويلجئون في قضاء حوائجهم إلي التوسلات والابتهالات . (
[15])

ومن عقائدهم انفصال الروح عن الجسد بعد الموت حيث يبلي الجسد ، وقبض الروح خالدة ، وهي تختلط به في هذه الحياة ولكنها عقب الموت تصعد إلي السماء مع الأرواح الطاهرة إن كانت هي طاهرة نقية أو تهبط إلى أسفل إن كانت شقية لتلقي عقوبتها ، وكما هو الأمر في كثير من الأديان يرتبط التقشف بهذه العقيدة ، لأن العناية بالروح تأتي عن طريق إضعاف الجسد ، وتجد صلة بين هذا المذهب وبين بعض المذاهب الشائعة في الهند . ([16])

وأصحاب هذه الطائفة يزرعون ويصنعون ويرون التجارة عملا خبيثا لا ينجى من الإثم ، وهم يصلّون عند الفجر ويحافظون علي الراحة يوم السبت والحرب عندهم محرمة . وهم يختلفون عن الصدوقيين في إيمانهم بالبعث بعد الموت ، ويرون أن العبادة الحق إنما تكون بالإخلاص لله والعدل والرحمة لا بالذبائح والهدايا ، متبعين في ذلك نصائح النبي عاموس . وكانوا يتحاشون المدن والأماكن المأهولة ويؤثرون الخلوات حيث لا يشغلهم شاغل عن التأمل والتفكير ومع اشتراكهم في كل ما لديهم كانوا يتآخون اثنين اثنين ويحرصون علي ملء فراغهم بالعبادة والقراءة . ([17])

ومن فرق اليهود أيضا :


1 ) الأبيونيون .
2 ) الغنوصية أو الصابئة .
3 ) البودجانية .
4 ) المارانوس .
5 ) الدومنة أو الدنمة .
6 ) الإصلاحيون – الريفور ميست أو المجددون
7 ) الفلاشا .
8 ) بنو إسرائيل .
9 ) البصريون .
10 ) الدمشقيون ورهبان وادى القمر .
11 ) الحماسيون .
12 ) المتنطسون أو الطبيون . (
[18])

ويقسم د/حسن ظاظا اليهود إلى طائفتين كبيرتين هما :
1- الأشكناز : - هم اليهود الذين استقروا في شمال أوربا وشرقها وهم أقطاب الصهيونية الحديثة .
2- السفر ود :- وهم هؤلاء اليهود الذين استقروا في حوض البحر الأبيض ويهود العالم العربي ، وكذلك يهود إيران.



****************************************************************************


([1]) د/ على عبد الواحد – مرجع سابق صــــ 84.
([2]) إنجيل متى إصحاح 22 والإصحاحات التالية له إلى أخر هذا الإنجيل
([3]) إنجيل متى الثالث والعشرين .
([4]) د/ على عبد الواحد وافى- اليهود واليهودية ، مرجع سابق صـــــ 84 ، 85 .
([5]) د/على عبد الواحد وافى-اليهود واليهودية مرجع سابق صـ 86 ، 87 .
([6]) الإصحاح الثاني والعشرين من إنجيل متى 24-33 .
([7]) الفصل في الملل واهواء والنحل – الجزء الأول صـــــ 82 ويذكر فيها أن هذه الفرقة تنسب إلى رجل يسمي صدوق صـــ 82 .
([8]) مختار عز الدين إسماعيل – مرجع سابق صـــ 14 .
([9]) د / على عبد الواحد وافي – مرجع سابق صــــــ 90 ، 91 .
([10]) اليهود واليهودية د / على عبد الواحد وافي صـــــ 94 ، 95 .
([11]) اليهود واليهودية د / على عبد الواحد وافي صـــــ 96 .
([12]) الأمام / أبن حزم - الفصل في الملل والأهواء والنحل – الجزء الأول صــ 82
([13]) اليهود واليهودية – د / على عبد الواحد وافي صـــ 97 – مرجع سابق .
([14]) اليهود واليهودية د / على عبد الواحد وافي صــــ 98 ، 99 .
([15]) د/ عبد الجليل شلبي - اليهود و اليهودية كتاب اليوم عدد مارس 1997 م صـــ 125
([16]) المرجع السابق صـــ 126 .
([17]) نفس المرجع صـــ 127 –حياه المسيح – للعقاد صــ 45 ، 47 – مطابع دار الهلال .
([18]) د/ عبد الجليل شلبي – اليهود واليهودية – مرجع سابق-صــ127/133